الحوار الجنوبي .. المسارات والقضايا والأولويات
يشكل الحوار الجنوبي المفضي الى توافقات ومقاربات مشتركة لمواجهة تحديات مصيرية, واولويات لا تقبل التأجيل, يشكل ضرورة قصوى و ربما اكثر من أي وقت مضي ارتباطا بتطورات جوهرية وتحديات غير مسبوقة ومخاطر لا يمكن الاستهانة بها , وفرص لا يجوز خسارتها.
نشهد اليوم احداث وتحولات من شأنها ان تقرر مستقبل المنطقة ومن ضمنها الجنوب ,وتقع في مقدمتها عملية المفاوضات التي ترعاها الامم المتحدة وكل ما يتصل بها ويتفرع عنها , وهي المسألة التي تعد مصيريه وحاسمه سوءاً للجنوب كما لغيره من الاطراف.
الكل يعلم أن المفاوضات تشكل ساحته لصراع شديد خاصه مع وجود اطراف تعمل بقوة لجعل الجنوب يدفع فاتورة التسويات المطلوبة, ويقدم ما تعتبره ضروريا لترضيه اطراف اخرى, وربما لو سمح الله قد يواجه الاسوأ وما لم يحصل له منذ حرب 1994م.
سبق لمركز عدن ان قدم تصور شبه متكامل من شأنه أن يساعد على التعاطي مع موضوع المفاوضات. والمطلوب اليوم الوقوف على ما استجد على هذا الصعيد ونعني به تحديدا طبيعة المشاركة الجنوبية في المفاوضات . هل ستتم بفريق واحد يحمل ملف قضيه الجنوب ويعبر عن إرادة الشعب الجنوبي ,ام يجزا الى عدة اطراف لكل منها قضيته الخاصة ومشروعه الخاص ؟
هذا تحدي خطير بالنسبة للجنوب ولكل المكونات الجنوبية ,لابد ان يبحث ويعالج من خلال الحوار وعلى قاعدة الشراكة ومشروع جامع يستوعب كل الاهتمامات والقضايا سواء العامة, او المحلية وما يشغل الناس في هذه المحافظة او تلك.
مطلوب مشاركة تستوعب وتؤطر كل الطاقات والقدرات الجنوبية وعلى اساس معايير وطنية عامه وسيكون من مصلحة الجنوب ان تتصدى هيئه مؤسسيه جنوبيه مقتدرة لإدارة هدا الملف , التي سيناط بها مهمه تأمين كل ما يتطلبه النجاح للمفاوض الجنوبي, وليكن المجلس الانتقالي المؤهل لهذا الدور.
نعتقد ان المعضلة التي نتمنى ان تبحث بجديه وشفافية في هذه الفعالية وصولا الى مقترحات وتصورات تجمع بين التطلعات العامة للجنوب وقضيته المركزية من جهة والتطلعات والاهتمامات والقضايا الجزئية والخاصة التي تعني وتهم مكونات جنوبية اصيله (محافظات ومدن , شرائح وفئات اجتماعية ,جماعات سكانيه ,وغيرها من جهة اخرى ). وعلى قاعدة الكل يكسب او يخسر.
ان تبني القضايا والتطلعات والمطالب الجزئية وتطمين الناس على مستقبلهم لا يضعف القضية الجنوبية كما قد يرى البعض ,بل العكس حيث يعززها ويقويها ,وفي ذات الوقت وكما اثبتت التجربة لا يمكن لأي مكون او شريحه اجتماعيه او جماعه ان تحقق تطلعاتها بدون حل عادل وشامل للقضية الجنوبية, وبعيدا عن ملف الجنوب او على حسابه.
وحدة الحوار والرؤية الشاملة والشراكة الحقيقية هي التي تسد باب الاستقطاب وعوامل تشتيت التمثيل الجنوبي وتزيل مبرراته وحججه . نأمل في مركز للرصد والدراسات عدن ان يعطي لهده المسألة مستحقة من الوقت والنقاش من قبل المشاركين.
المسألة الثانية:
المطروحة للبحث وتبادل الآراء والتي ترتبط ارتباط وثيقا بالقضية الاولى تتمثل في الحوار الجنوبي, الذي نتمنى ان يتم تناوله بعيدا عن جلد الذات وتهويل الوضع والى درجه تولد اليأس والاحباط, وفي ذات الوقت من الخطاء الاستهانة بهذه المسألة والتقليل من اهميتها وضرورتها في هذه الظروف , وما سوف يترتب عليها في الحالتين.
على ضوء خبرة المركز المتواضعة على هذا الصعيد نعرض لكم الملاحظات والاسئلة التالية لعلها تفيد..
- حول مفهوم الحوار :
يجري الحوار عادة بين اطراف متعددة تشترك فيما بينهما في مصالح شائعه وعامه كالوطن والهوية والمواطنة والمصير المشترك والسلم الأهلي والتنمية والامن وقضايا المستقبل وغيرها.
الحوار يعني اساسا ببناء التوافق إزاء قضايا وتحديات المستقبل , والذي من شأنه ان يكرس الشراكة وقبول الاخر والعيش المشترك والتسامح في المجتمع ,ويحول دون وقوع أزمات وتناقضات حادة تتطور إلى نزاعات مسلحة وحروب
- تتحقق نتائج الحوار على قاعدة التوافق , ويجري تطبيقها في الواقع اعتماداً على قاعدة الطوعية والتزام الاطراف بتنفيذ ما وقعت عليه والتي تتحول الى مدونه سلوك , ويمكن أن تشكل أساس لإجراءات وخطوات عامة تشريعية وقانونية وسياسية وغيرها.
- أما في الحالة التي فيها نزاعات مسلحة وحروب بين الاطراف وعلى أي مستوى فإن الحوار يعقب مرحلة التفاوض التي تحقق إنهاء الحرب وتعالج أثارها ونتائجها وتمهد البيئة المواتية لمرحلة الحوار.
- الحوار الجنوبي:
في الوقت الذي نشيد فيه بالدعوى للحوار التي أطلقها المجلس الانتقالي الجنوبي ومن أجل نجاحها في تحقيق أهدافها نثير أدناه طائفة من الملاحظات والأسئلة والمشكلات التي نعتقد أن البحث فيها يعد مهما للنجاح في عملية الحوار .
- هل يحتاج الجنوب إلى حوار في هذه المرحلة ؟
الاجابة نعم .. كان يحتاج للحوار ,والحوار مطلوب اليوم وغداً.
يحتاج لحوارات رأسية وأفقية, لحوارات عامه وجزئية وتخصصية.
يحتاج لحوارات حول طائفة واسعة من القضايا والتحديات والمشكلات التي تهم الحاضر والمستقبل.
يحتاج الى مسارات ومستويات من الحوار وقبل هذا وذاك من المهم جدا امتلاك رؤية واضحة جدا للعملية مشفوعة بأسس سليمة ومحددات دقيقة وتحديد واضح للقضايا والاطراف دونما خلط او مصادرة او تهميش وبما يضمن لكل طرف ان يحاور بذاته أو بمن يفوضه حول ما يعنيه.
وفي هذه المسألة المعقدة يمكن الإشارة بشكل محدد الى مستويين من الاطراف والى مجموعة من القضايا والاولويات :
المستوى الاول : يمكن تعريفه أو تسميته بالأطراف الأصيلة او الثابتة, والمتمثلة في المجتمع عامة والمجتمعات المحلية والشرائح والفئات الاجتماعية والجماعات السكانية دون استثناء.
المستوى الثاني : ويتمثل في الاطراف والمسميات المتغيرة وتدخل فيه الاحزاب والمنظمات والهيئات والتيارات والزعامات والقيادات .
وبالنظر الى القضايا التي تشكل اولوية للحوار وتهم الجنوب اليوم وتتصدرها قضية مستقبل الجنوب ( الدولة – الثروة – السلطة – النظام السياسي – الشراكة – نمط التنمية – حقوق الانسان – بناء المؤسسات – التحالفات – المفاوضات – وغيرها ) والتي تجعلنا نتساءل من المعني بالحوار حولها ومن صاحب الحق فيها هل اطراف المستوى الاول ام أطراف المستوى الثاني .
وهذه مسألة نعتبرها جوهرية ومبدأيه ولأتقبل الخطأ وسوء التقدير ولا يصح عندها ان توضع العربة قبل الحصان ومن المهم استعادة دروس الماضي وما نجم عنها .
ونحن بصدد حديث بموضوع الحوار يمكن لنا طرف السؤال التالي من الاولى بالحوار ومن ينبغي أن تأخذ آرائهم ويطمأنوا على مستقبلهم ومصالحهم , وتزال مخاوفهم وهواجسهم , هل المجتمع والمجتمعات المحلية والشرائح والفئات الاجتماعية وسكان المدن والمحافظات والشباب والنساء والمبدعين ورجال المال والاعمال وسكان الريف, ام بقايا منظمات سياسية وكيانات وزعامات (مع كل الاحترام للجميع كيانات وأفراد)؟
ان التوافق المجتمعي العام على صعيد الجنوب وبين اطرافه الاصيلة إزاء القضايا الجوهرية وما يولد مخاوف الناس هو وحده الدي يعزز قوة الجنوب ويمنحه المناعة في وجه مشاريع التشتيت والشرذمة وهو الذي يسهل معالجة قضية تمثيل الجنوب في المفاوضات , في هذه المسألة ننصح بالتخلي عن الخطاب العاطفي والمجرد عندما نتحدث عن الجنوب وهو خطاب أدى دوره وانتهى زمنه.
المطلوب اليوم أن يتحدث الناس بوضوح وتفصيل وبشكل ملموس ومحدد وبشفافية وبدون خوف أو ترهيب عن الجنوب القادم ..أي جنوب نريد ؟من حق سكان أي محافظة عدن , حضرموت مثلا ان يتساءلوا عن وضع مدينتهم او محافظتهم في الجنوب المنشود, عن حقوقهم وواجباتهم ,عن نصيبهم في السلطة في الثروة ,عن حقهم في إدارة شئونهم , وغيرها من القضايا المثارة حاليا , وهو حق للشباب , للمرأة ,للفئات المهمشة , للمقتدرين , لسكان المدن ,لسكان الريف ,وغيرهم.
وهذا لا يعني بأي حال من الاحوال التقليل من اهمية ودور حوار القوى السياسية والمكونات الثورية والاطر القيادية كمسار له اهتمامات وقضايا محددة , والتي ستكون حاضره في قلب حوارات المجموعة الاولى .
ونحن بصدد موضوع الحوار الجنوبي من الواجب ان نشير الى المبادرة التي اطلقها المجلس الانتقالي الجنوبي , ونشيد بها وندعو لتفعيلها . وفي نفس الوقت ندعوا سائر القوى والمكونات الاخرى الى التعاطي معها بحسن النية والتفاعل الايجابي وبما يحقق تكاثف الجهود وانضاج القناعات , وتقريب المسافات وتهيئة شروط وعوامل نجاح الحوار خدمتاً للجنوب وشعبة ونزولا عند مصالحة العليا ,ولإسهام في انجاح عملية التفاوض المرتقبة .
المطلوب من المكونات السياسية والثورية في الجنوب ان تعمل بمنهجية ورؤية مدنية عصرية لتأسيس حياة سياسية جنوبية الانتماء والهوية ,وانهاء الارتباط بمؤسسات النظام السياسي اليمني الذي كان ولايزال يشكل معولا لهدم الجنوب. وهذه مسألة نرى اهمية ان تطرح على طاولة الحوار الجنوبي.
واخيرا ينبغي ان يستهدف الحوار المرجو تقوية وتعزيز وتطوير ما تم تحقيقه وإنجازه , لا أن يعود بالوضع الى ما قبل سنوات , وان يتأسس على احترام اراده الشعب والالتزام بما تقرره .
انــتــهــى ،،،
مركز عدن للرصد والدراسات والتدريب